lundi 28 janvier 2013

العدالة الانتقالية في تونس...كيف و الى اين ؟!!


اشتعل أول عود ثقاب في مدينة سيدي بوزيد بتونس يوم 17 ديسمبر وكان القشة التي قسمت ظهر  الديكتاتورية، فغصت الشوارع التونسية هتافات وصراخا تنادي حرية وشغلا وكرامة، تليها آهات الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن شهداء في سبيل حرية هذا الوطن.
امتدت شرارة هذه الاحتجاجات الى باقي مدن البلاد التونسية، و اطاحت بحكم بن علي الاستبدادي على وقعdégage  ‘ارحل المتتالية.
وقد الهمت الانتفاضة التونسية العالم اجمع بداية من مصر في شمال افريقيا، اليمن، سوريا والبحرين في الشرق الاوسط مرورا بمدريد,اثينا و موسكو في اوروبا ,نيويورك في امريكا الى طوكيو في اسيا ..

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEiy8YnoWck61h_Qstcn6tCn_TZnHfyk-04_SMM1Esakp9vFf4_GOHlJe51z4lp2Fb0kQ5fKF6Fp30iAVPiDKsboMjFYcXkKE_fy5nJQ9GhxpqZQef-iq7P4bZAUwzaSPmX3yrsVkfpbt0mE/s320/tunis.jpg

تعيش تونس اليوم مرحلة تاريخية هامة تعرف بمرحلة الانتقال الديمقراطي والعدالة الانتقالية و التي عبرت عن رغبة الشعب التونسي في التغيير الفعال عن طريق ارساء مؤسسات الدولة، والارتقاء بالشعب التونسي الى المنظومة الديمقراطية العالمية.

فالعدالة الانتقالية باعتبارها مجموعة الأساليب و الوسائل التي تؤسس لمرحلة سياسية جديدة يسود فيها القانون و العدالة و الاستقرار 
تواجه ارث انتهاكات حقوق الإنسان في الأنظمة الديكتاتورية السابقة ,تروم القطع مع الماضي و تحاسب الاجهزة المتورطة في الاستبداد و القتل و التعذيب ,تكشف الحقيقة و تضمن اعادة الحقوق الى اصحابهاهاته الالية هي من أنجع الاساليب لتحقيق اهداف الثورة.
وقد عرفت بلدان عدة تجربة العدالة الانتقالية مثل دول اوروبا الشرقية و جنوب امريكا و جنوب افريقيا ,بالإضافة الى التجربة المغربية .إلا ان التطبيقات تختلف من دولة الى اخرى بحسب الظروف الاجتماعية, و الاقتصادية ,و الخصوصيات الثقافية, و تسعى تونس في السير على خطى هذه البلدان و الاعداد لمستقبل افضل.
ومن المحاور الهامة التي تشمل العدالة الانتقالية و التي تعمل بشكل تكاملي :
-الاصلاح الاداري و المؤسساتي خاصة في كل من السلك الامني و القضائي و المؤسسات الإعلامية و يكون ذلك عبر تطهير الاجهزة التي تورطت في انتهاكات حقوق الانسان في السابقوالتتبع القضائي للجناة الذين ساهموا في الديكتاتورية, و مسائلة ومحاسبة رموز الفساد المالي و الاداري في اطار محاكمات عادلة و نزيهة. لذلك يصح القول ان التغيير البنيوي في جهاز الدولة ضروري لإرساء دولة ديمقراطية قائمة على سيادة القانون و تجاوز الماضي و تجنب تكرار دولة الاستبداد .
- جبر الضرر اي تعويض ضحايا الانتهاكات تعويضا معنويا و ماديا و اعادة الاعتبار اليهم، ثم تكريم الشهداء و تخليد ذكراهم وهو الالية الاخيرة للعدالة الانتقالية. و يكون ذلك بإحياء الذكرى بشكل رسمي عن طريق الدولة و المجتمع المدني (اسماء شوارع، نصب تذكاري، أعياد وطنية...).
تعتبر تونس من البلدان التي شهدت افضل تجربة انتقال ديمقراطي سلمي، إلا أن مسار هذا الانتقال يعد بطيئا جدا ومتعثر الخطوات مقارنة بطموحات و آمال الشعب التونسي.
ففي القطاع الامني مثلا، فإن الإصلاحات التي كان من الممكن ان تحول المنظومة الامنية من منظومة قمعية خادمة للحزب الحاكم الى منظومة قائمة على العقيدة الجمهورية والولاء للوطن لم يظهر لها اثرا في حياة المواطن. فقد تواصلت ممارسات التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان في تونس "ما بعد الثورة"، و يبدو  ذلك جليا من خلال الاعتداء الوحشي الذي قام به البوليس التونسي في حق  المتظاهرين بشارع الحبيب بورقيبة يوم 9 ابريل 2012 ، والذي يذكرنا بالممارسات القمعية في العهد الديكتاتوري ، وفاة مواطن تونسي مؤخرا اثر تعرضه للتعذيب على يد اعوان الامن بمقر الشرطة العدلية بتونس العاصم، الى جانب التجاوزات العديدة الاخرى التي سجلتها منظمات حقوق الانسان بتونس.
والأخطر من هذا هو حالات الافلات من العقاب لمن عذبوا و اجرموا في حق المعارضين و المواطنين ابان سنوات الجمر: قتلة الشهداء والقناصة لازالوا مجهولي الهوية الى حد الان ،تبرئة العديد من كبار رجال الأمن المتهمين بقتل المتظاهرين في أحداث 14 يناير 2011. و قد اثارت هذه الاحكام غضب و احباط اهالي الشهداء و الثورة الذين اعتبروا هاته المحاكمات "سيئة الإخراج" لأنها لم تكن ترتقي الى خطورة الجرائم المرتكبة...فسلك القضاء في تونس مازال يتعرض لضغوطات، واقرب مثال على ذلك هو تدخل وزير العدل في عملية ترقية القضاة والتعيينات والإقالات تحت غطاء ما يسمى "بالمجلس الأعلى للقضاء" والتي وصفتها هياكل القضاة نفسها بقرارات فردية .
وشوهدت نفس الممارسات في القطاع الاعلامي اذ تم تعيين كبار المسؤولين المنتمين الى نظام بن علي على راس مؤسسات اعلامية عمومية دون التشاور مع الهياكل المعنية.
أخيرا، يمكن القول أنه بدون إصلاح المؤسسات الكبرى للدولة لن تتحقق طموحات الشعب التونسي، لان التغيير المنشود يكون منقوصا ما لم تكن العدالة الانتقالية جزءا أساسيا منه باعتبارها اللبنة الاولى للانتقال الديمقراطي.


سحر العشي

الفرع التونسي لمنظمة العفو الدولية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire